ستفاق الغزِّيون يوم الجمعة الماضية على خبر مقتل “نواف حسنين” أحد أبرز زعماء المافيات المتاجرة بالمخدِّرات على مستوى قطاع غزَّة مع اثنين من أفراد عائلته وشركائه في عمليات الاتجار بهذه السلعة السامة.
ولعل أول ما تبادر إلى أذهان الغزِّيين عندما سمعوا خبر مقتل “حسنين” قصة هجومه على “مركز شرطة الشجاعية” في العام 2005 برفقة عدد من المسلحين للإفراج عن أحد المحتجزين من عصابتهم هنالك بتهمة تعاطي المخدرات والاتجار بها، مما أدى إلى مقتل الشرطي الفلسطيني عبد الرحيم صالح -20 عام-، بالإضافة إلى ما تبع هذه القضية من غضب شعبي عارم واستياء عام لضياع هيبة السلطة الفلسطينية والتعدي عليها من قبل حفنة قليلة من تجار المخدرات.
ولم يستطع أحدٌ من أبناء هذا الشعب الحُر أن يُخفي فرحته العارمة بمقتل هذا الأفَّاك، لما في ذلك من رمزيَّة بأن لا أحد أعلى من القانون، وبأن القوة والسيادة للحكومة والأجهزة الأمنية التي تمثلها، وأن هذه الحكومة بقيادة الأستاذ إسماعيل هنيه قادرة على مهاجمة أوكار الفساد المُدمِّرة للمجتمع حتى وإن كانت واقعة شرق “حي الشِّجاعية” وتحديدا في منطقة “جبل الرَّيس” أكبر معاقل الاتِّجار بالمُخدرات وأقربها جغرافيا من الصهاينة بكل ما تحمله هذه المنطقة من رمزيَّة مختلفة بالنسبة للمجتمع وتجار المخدرات على حدٍّ سواء.
ولعل ما أثار حفيظة المجتمع بأسره خروج بعض الأصوات الشاذة الناعقة بالمناقب المزعومة لهذا الأفَّاك وزمرته، والإدعاء بأنه قد قتل بعد أن صلَّى الفجر في المسجد، ومحاولة تشتيت أفكار المجتمع بالادعاء أن القتيل قد تاب بعد أن حج بيت الله والتزم بالصلوات الخمس، وكأنهم يسعون من خلال بثِّ هذه الإشاعات الكاذبة إلى تلميع صورة أحد أبرز الشخصيات الفاسدة في المجتمع الغزِّي، ملمِّحين أن قتله قد جاء ضمن سلسلة من الجرائم التي يدعون أنها تحدث في القطاع، محاولين بذلك إضاعة الفرحة من قلوب المخلصين من أبناء هذا الوطن بعد عودة سيادة القانون، ومقلِّلين من أهمية ما قامت به الشرطة الفلسطينية من عملية تطهير لهذا الوكر من أوكار الفساد، بعد أن فشلوا هم في ذلك وأضاعوا كرامة وهيبة السلطات الرسمية وتركوا هذه العصابات تستشري وتأخذ مكانة كبرى في المجتمع بل وتركوها ليصبح زعماء هذه العصابات من الشخصيات العامَّة والمشهورة والمعروفة للجميع.
ولكن صدمة المجتمع كانت أكبر عندما تَبنَّت حركة فتح القتيل تحت مسمى “الشهيد”، وعندما أعلنت بأن مقتله ورفاقه جاء ضمن “معركة الكرامة” ليقلبوا موازين البشريَّة وعقولها ويغيروا مفهوم “الكرامة”، وليتعدوا على تاريخ الثورة الفلسطينية التي قادت معركة “الكرامة” التي نعرفها والتي خاضها المقاتلون الفلسطينيون بمساعدة الجيش الأردني ضد الجيش الصهيوني في 21 مارس من عام 1968، إلى جانب الصدمة المترتبة على محاولة تقديم هؤلاء الزَّنادقة على أنهم أبناء هذه الحركة المعطاءة، غير عابئين بتلويث سمعة وتاريخ ونضال هذه الحركة في حال تبني تجار الحشيش والمخدرات، وغير عابئين بتشويه مصداقية وحقيقة الشهداء الفلسطينيين بعد أن يعرف العالم الخارجي أن كبار تجار المخدرات يحملون لقب “الشهداء” في قطاع غزة ويُلبسون أثواب الوطنيَّة.
ولم تقتصر موجة الاستهجان والإدانة لخطوة تبنِّي تُجَّار المخدرات على عوامِّ المواطنين وحسب، بل إنها وصلت إلى الأوساط الفتحاويَّة الدُّنيا والَّتي ظهرت من خلال تصريحات أعضاء الملتقى الفتحاوي حيث وصفوا هذه الخطوة بأنها ناتجة عن حالة الترهُّل والتَّشَرذم التي تعيشها حركة فتح، وسيطرتِ المصالح الشخصية والعائلية والمناطقية على قرارات الحركة، وطالبوا بمحاسبة المسئولين في اقليم شرق غزة على تبنِّي شخصيات كهذه وادِّعاء انتمائها للحركة.
كما وصل الأمر بعدد كبير من عناصر الحركة إلى كيل الاتهامات والشتائم لأحد أبرز قادتهم في قِطاع غزة والَّذي يقطن بالقرب من منزل “حسنين”، محمِّلين إياه المسئولية عن عمليَّة تبنِّي شخصيَّات فاسدة كهذه وإلباسها ثوب الشهداء والوطنيَّة والثورة، لتحقيق مكاسب شخصيَّة وعشائريَّة، وتجدر الإشارة إلى أنَّ عناصر حركة فتح في اقليم شرق غزة يُشكلون شريحة كبرى من أبناء هذه الحركة على مستوى قطاع غزة.
ومن هنا حُقَّ لنا أن نثير عددًا من التَّساؤلات التي تفرض نفسها على الساحة الفلسطينية، والمتمثلة في حقيقة ومصداقية الخطاب الذي دعى إليه الرئيس الفلسطيني محمود عبَّاس للحوار الوطني الغير مشروط بين طرفي النزاع الفلسطيني الفلسطيني فتح وحماس؟!، بالإضافة إلى التساؤل عن مدى تأثير تبني أحد طرفي الصراع لتجار المخدارت الذين قتلوا على يد الطرف الآخر من الصراع على الحوار المُرتقب؟!، وهل ما قامت به حركة “فتح” من تسمية للهجوم على أوكار الفساد بـ”معركة الكرامة” أمر يخدم الوحدة الوطنية الفلسطينية؟!، وما هي الفائدة المرجوة من تأليب الصدور وإعطاء نياشين الشهادة المزعومة للأفَّاكين الذين يسعون إلى تدمير المجتمع من خلال الإتجار بالسموم التي غالبا ما تقتل شباب هذا المجتمع؟! وهل ثوب الوطنيَّة رخيص إلى هذا الحد حتى نلفَّ المفسدين في الأرض بالعلم الفلسطيني ونُلبسهم ثوبًا لا يستحقونه؟!.
كل هذه التساؤلات وغيرها فرضت نفسها على فكر ووجدان أبناء المجتمع الفلسطيني والمتابعين للقضية الفلسطينية، لما تحمله من متناقضات قد تؤثر بالسَّلب على أي مسار للمصالحة الوطنية الفلسطينية ولعلَّ الآمال مُنعقدة بأن يتمخَّض الحوار المرتقب لإنهاء هذه المسرحية الهزليَّة التي تضيع هيبة الدولة ومؤسساتها
[img][/img][url][/url][img][/img]