wes-der مشرف
عدد الرسائل : 112 العمر : 36 المزاج : داااايما مبسوووط نقاط : 201 تاريخ التسجيل : 25/08/2009
| موضوع: الطريق الى ميونخ .....ابطال ايلول الاسود الأربعاء 13 يناير 2010, 8:08 am | |
| الطريق الى ميونخ ( التفاصيل الكاملة لعملية ميونخ )
الجزء الاول
تشرين الثاني 1971 من الواضح أن المقاومة لا تزال تدفع ثمن هزيمة الأردن(1) حيث كانت تواجهنا صعوبات في تلك الفترة أولا : كانت روح انهزامية تسيطر على مواطنينا الواقعين تحت الاحتلال , استغل الإسرائيليون أحداث الأردن ليفككوا بكل هدوء العديد من خلايانا في الضفة الغربية بالإضافة إلى اعتقال الكثيرين من الشبان الذين كنا نعتمد عليهم لتوقيع العرائض ونقل الرسائل وفي غزة بادر الاحتلال إلى زيادة حملات القمع لمواجهة الانتفاضة المستمرة منذ سنتين وكان لحملة القمع اسم هو آرييل شارون(2) الذي عمد إلي فتح جادات بعرض ثمانين مترا داخل مخيمات اللاجئين لتمكين جنوده من التدخل بسرعة اكبر وكانت محصلة الحملة في مخيم جباليا تدمير 1800 منزل وإجلاء 17 ألف عن بيوتهم بالقوة.
في هذه الأثناء كانت حركة الاستيطان مستمرة في الأراضي المحتلة وفي الخليل تم تحويل المسجد الإبراهيمي بصورة جزئية إلى كنيس, وتم إقامة مستعمرة كريات أربع فوق أراضيها المصادرة, وكانت الجرافات جاهزة للبدء ببناء مساكن إضافية من الأراضي التي يتم مصادرتها في مدن القدس وبيت لحم ورام الله وغيرها من المدن الفلسطينية للمهاجرين الجدد.
أما على الصعيد الاقتصادي فكان يتم توظيف الرساميل الإسرائيلية في الأراضي المحتلة طمعا في الأيدي العاملة الرخيصة وفي المقابل كانت الشركات العربية تصبح مدينة للصناعة الإسرائيلية كما كان يسمح للآلاف من الفلسطينيين بالانتقال صباحا للعمل في إسرائيل شرط العودة إلى الأراضي المحتلة عند المساء … وسط ذلك كله كانت الصحافة الغربية تدبج المقالات في مدح إسرائيل التي تحول الصحاري إلى جنان.
إن الأوضاع كهذه من شانها دك المعنويات لمواطنينا فساد الإرهاق شيئا فشيئا وقد فضل الآلاف من الفلسطينيين الهجرة إلى كندا وأوستراليا متى استطاعوا . وكان السؤال الذي يتكرر على شفاه هؤلاء؟
-علام الصمود والمخاطرة إذا كانت المعركة خاسرة سلفا وان في المرحلة الآنية؟
كيف نرد نحن مقاتلي الخارج فيما أدى الانهيار في الأردن إلى إبعادنا اكثر عن أرضنا الفلسطينية ؟الواقع إن اكثر من 70 في المائة من هجماتنا كانت تنطلق من شرق الأردن فبعد طردنا لم يعد بمقدورنا العمل على أطول حدود للمواجهة مع العدو. بقي جنوب لبنان الذي تحول بطبيعة الحال إلى جبهتنا الرئيسية. لكن الإحباط تغلغل أيضا في قواعد الفدائيين التي التحق بها الناجون من الهزيمة الأردنية وهم يعانون من الإرهاق والانهيار المعنوي, ولكن بالنسبة إلينا المتأثرين بحرب الفيتنام كانت ارض لبنان مثالية لمضاعفة حرب الغوار ضد إسرائيل فلا حواجز طبيعية يمكن الجيش الإسرائيلي إن يحتمي, فمنطقة العرقوب لا تقدم مجالا سهلا لتحرك الدبابات العدوة كما أنها على اتصال مباشر بسوريا عبر شبكة من الطرق في الجبال ويمكن في غضون ساعات إرسال مئات العناصر من درعا أو من قواعدنا في الشام , أما صوب البحر فيمكن مشاهدة سلسلة من التضاريس الوعرة تطل على الجليل ويسهل الانطلاق منها في عمليات ليلية,وأخيرا وجود جيش احتياطي كبير من اللاجئين(3) في الجوار الذي على الرغم من الهزيمة في الأردن نحتفظ ببعض الهالة والتأييد عندهم . ولكن من أين ينبع إحباط فدائيينا ؟
أولا من الحدود التي فرضتها اتفاقية 1969 بين المقاومة والسلطات اللبنانية وهي تقر فقط لمقاتلينا بحق عبور جنوب لبنان من اجل القيام بعمليات داخل إسرائيل وعدم إقامة قواعد دائمة في المنطقتين الوسطى والساحلية وممنوع إطلاق صواريخ الكاتيوشا من الأراضي اللبنانية وكان الجيش اللبناني يبدي حرصا زائدا الأمر الذي يؤدي إلى صدامات مستمرة ومضايقات وحواجز تفتيش عسكرية مما كان يحد من تحركاتنا وعمليات نقل الأسلحة وتشابك ذلك مع مشاكل عدة داخلية في صفوف المقاومة , فمنذ الصيف كان يندر وجود من لا يعترض صراحة على قيادتنا العسكرية داخل وحداتنا المقاتلة فلم يكن أحد نسي بعد التردد وأخطاء التقدير التي أدت إلى الكارثة النهائية في الأردن وكان اشد المنتقدين هؤلاء الذين كانوا تابعين لقيادة أبو علي اياد(4) ولم يكونوا يجدون العزاء لفقده لكن تمرد الفدائيين لم يكن ينبع فقط من الفشل والمرارة المتراكمين في العام 1971, كان يسود جو جديد إذ كان الكثيرون يطالبون بإعادة نظر جذرية في وسائل النضال ضد إسرائيل بدل القيام بالعمليات التقليدية يجب القيام بعمليات تضرب الإسرائيليين في القلب أو تطاول مصالحهم في العالم,لكن عرفات والضباط الأردنيين الذين التحقوا بحركتنا لم يكونوا يحلمون إلا بمزيد من "العسكرة" لفدائيينا. وكانت هناك مشاكل اكثر جسامة أيضا إذ أن عمليات الثار الإسرائيلية إزاء تزايد عمليات فدائيينا في الجليل الأعلى لم تتأخر فقد اخترق مغاوير الجيش الحدود اللبنانية مرتين في يناير 1972 وقتل عشرون فدائيا وكان العقاب الأكثر قسوة في شباط فاستعمل الإسرائيليون الطيران والمدفعية و المدفعية لقصف منطقة العرقوب واحتلالها لمدة ثلاثة أيام وتكبد فدائييونا نحو مائة قتيل , كذلك حصلت غارة جوية على مخيم النبطية, باختصار بدون أسلحة ثقيلة ومضادات طيران لقي مقاتلونا معاملة اكثر قسوة وكان مستحيل أن يقوم فدائييونا بردود صاعقة متشابهة نظرا للألغام والحاجز الكهربائي لم يكن لدينا للرد على أعدائنا سوى أرجلنا. وكان ضباط من العاصفة يأتون باستمرار شاكين أمرهم لأبواياد(5) فما كانوا يجهلون أن له اليد الطولى في اغتيال وصفي التل اكثر من أبو يوسف وهذا ما اكسبه شهرة اكبر فيما بينهم ,فلم يكن نادرا أن يأتي ضباط شباب من وحداتنا العاملة في الجنوب ليعرضوا عليه خدماتهم في بيروت قائلين"نحن نريد أن نتجند معك أبو اياد لاشك انك تخطط لبعض العمليات ونحن أنفسنا لدينا أفكار نستطيع مثلا اختطاف ضباط إسرائيليين من أي مكان في العالم فإذا أردت إنشاء فرق خاصة من الفدائيين يمكنك الاعتماد علينا .." فيجيبهم : حسنا جهزوا أنفسكم إننا في صدد شيء ما.
نشـوء تنظيم أيلول اسود
كان يخشى إزاء هذه العوامل المجتمعة أن يعمد عدد من فدائيي العاصفة إلى تركنا لتأسيس تنظيم جديد نوع من فتح ثانية كنت أنا وأبو مازن(6) وأبو اياد نتبادل الأحاديث في هذه المسالة وبعد هزيمة تموز التقى أبو اياد بهؤلاء الفدائيين وكان يصغي إليهم ويحاول أن يكون عما لهم, وبما أن هؤلاء من افضل العناصر الذين عملوا تحت إمرة أبو علي اياد فلماذا لا يوجه غضبهم ويستفاد منهم عبر جهاز عملياتي سري يرتبط بمخابراتنا وأجهزة مكافحة التجسس لدينا وكان أبو اياد قد وجد اسم هذا الجهاز :" أيلول اسود"(7).
في تلك الفترة عدنا أنا وأبو اياد وأبو مازن نتساءل كيف نعيد الثقة إلى محاربينا بعد كل تلك المحن التي ألمت بهم بالطبع فكرنا انه ليس باختطاف الطائرات كما تفعل الجبهة الشعبية ولا بالانتقام لضحايانا في الأردن كما فعل علي حسن سلامة ضد النظام الأردني, كما أننا رأينا أن التعرض للشركات الأوربية التي تتعامل مع إسرائيل لن يخلق مشاكل كبيرة لأعدائنا المباشرين ودان أبو اياد هذا التصرف باعتباره سيؤثر على مواطنينا المهاجرين بقلة ثقة الدول فيهم وبالتالي صعوبة إيجاد عمل. أما ما توصلنا إليه هو أننا يجب أن نوسع مسرح عملياتنا مع تحديد صارم للأهداف التي يجب اختيارها, واستنتجنا أن تركيز ضرباتنا على عملاء الموساد في أوروبا هو اكثر الأعمال فاعلية من كل النواحي . كان هذا الأمر ضروريا, في الأسابيع التي تلت مقتل وصفي التل وخصوصا في أعياد نهاية السنة كان عددا كبيرا من الشبان الفلسطينيين الذين يدرسون في أوروبا يأتون إلى لبنان في محاولة للاتصال ب"أيلول اسود" كما كانوا يؤكدون ,وكنا نتعجب لعدم عودة هؤلاء الطلاب لإكمال دراستهم أو زيارة أهاليهم, لم نتأخر في إيجاد السبب وذلك بفضل عاطف بسيسو( فقد اجبر الموساد بعضهم على استقاء معلومات حول نشاطاتنا في بيروت وهذا أعطاني فكرة :لم لا نجند هؤلاء الطلاب ونصنع منهم عملاء مزدوجين لنصل إلى الضباط المتعاملين معهم.
لم يوافقني أبو اياد بوابو مازن فحسب بل توصلنا الى المشروع الآتي:ان ننشئ على هامش جهازي الاستخبارات ومقاومة التجسس اللذين يديرهما أبو يوسف مجموعة "لمحاربة الموساد في أوروبا" وقررنا انه من الأفضل ان يعلم بها اقل عدد من القيادة. جولات في أوروبا استقلت من قيادة ميلشياتنا في لبنان حيث أعطاني ابو اياد المال لشراء الأسلحة اللازمة أما أبو مازن فقد ارصد لنا بعض المال كي نتمكن من فتح مخيم صغير للتدريب شمال صيدا. في نهاية حزيران ذهبت الى ألمانيا في طريقي لبلغاريا للتفاوض على شراء مسدسات تحتوي على كاتم صوت من أجل عملياتنا وإيجاد طريقة لتهريبها لخلايانا المنوي إنشاؤها في أوروبا وهناك علمت بالنبأ الفاجعة: استشهاد غسان كنفاني أحد أشهر كتابنا ومعه ابنة أخته الشابة في انفجار محرك سيارته أمام منزله. وفي أواسط شهر تموز 1972 ذهبت الى إيطاليا لمقابلة ابو اياد بناء على طلبه يرافقه فخري العمري ابو محمد(9) وقد قدم ابو اياد عرضا للعمليات التي كنا نخطط لها ضد عملاء الموساد : العملية الأولى متوقعة في بلجيكا لكن كان واضحا انه بالمقارنة مع الاعتداء البشع الذي ذهب ضحيته غسان كنفاني في بيروت قبل بضعة أيام لم تكن مخططاتنا الموجهة ضد الموساد لترضيه فعلا. فاقترح فخري الهجوم على مقر بعثة إسرائيلية في الخارج. أجاب أبو أياد:لا سنثير عداء الدول المضيفة إما تصفية عملاء الاستخبارات فهذا النوع لا يثير مشاكل,ان دول الغرب قد اعتادت بعض الشيء على حروب الظل بين عملاء استخبارات الشرق والغرب تحديدا. لكنني بدوري قلت:لا يمكننا الإصرار على القيام بحرب نظيفة ضد أعدائنا في حين ان الإسرائيليون لا يقيمون فرقا عندنا بين مدني وعسكري!سوف نفقد كل رصيدنا عند جماعتنا . سال عندها ابو اياد: وماذا تقترح؟ -لم يكن هناك من خطة معينة في ذهني لكنني كنت اعرف شيئا:لا يمكننا البقاء حيث نحن . كنت اشعر بشكل غامض ان شعبنا في ذلك الصيف ينتظر منا ان نشن حملة ثار لما يعانيه من الإسرائيليين في ما بلغناه من حالة التصعيد لن يفيدنا ان نقتل هذا او ذاك من العملاء الإسرائيليين ثارا لضحايا الشعب الفلسطيني أنا لا اخذ في الاعتبار يأس مقاتلينا الذين لا حيلة لديهم في الرد على طيران العدو بل المدنيون أيضا إذا لم نتجاوب مع رغبتهم في الثار ستكون نهايتنا في حركة فتح وسيأخذ مكاننا آخرون. - ثق يا أبو داود أننا في قيادة الحركة نعي هذه المشكلة لكن هناك معطيات أخرى في الحسبان فإذا كنا على الصعيد العسكري في اصعب الأوضاع إلا أننا نسجل ديبلوماسيا إنجازات مهمة عرفات مدعو للمرة الأولى من القيادة السوفيتية لزيارة موسكو.,كان متأكدا ان هناك اتفاقا لتزويدنا بمضادات طيران تزيد من إمكاناتنا الدفاعية. توقف النقاش عند هذه النقطة كان على ابو اياد ان يزور وائل زعيتر في روما , وأعطاني فخري العمري التعليمات حول الرشاشات المجهزة بكاتم صوت التي كان يجب ان اطلبها من البلغار
بداية الطريق لميونخ
التقينا ابو اياد لاحقا على رصيف مقهى في ساحة الروتوندا كنا نطالع الصحف الأجنبية والعربية وقد أغضبنا كثيرا ما قرأناه في إحدى المقالات الصغيرة ,إذ رفضت اللجنة الدولية للألعاب الأولمبية اشتراك فريق من الرياضيين الفلسطينيين في الألعاب الأولمبية التي ستجري في ميونخ(10) . لم يتعجب ابو اياد لقرار هذه الهيئة وقال : لقد بعثت منظمة التحرير برسالتين رسميتين الى اللجنة الأولمبية تطلب فيها إشراك لاعبينا في العاب ميونخ لكنها لم تتنازل وتبعث إلينا بأي رد فنحن غير موجودين بالنسبة إلى هذه المؤسسة المحترمة التي تدعي إنها غير سياسية. فعلق فخري قائلا: -عظيم بما انهم يرفضون مشاركة الفلسطينيين في الألعاب فلماذا لا نحاول الدخول بأساليبنا الخاصة إلى الحرم الأولمبي؟ فأساله ابو اياد: وماذا نفعل هناك؟ رد فخري: نحتجز الرياضيين الإسرائيليين. قال أبو اياد : أنت مجنون ! عندها قلت بدوري: لا فكرة ابو محمد ليست عاطلة بما أن الإسرائيليين لا يحترمون شيئا فنحن سنتصرف كذلك علاوة على ذلك ان كل رياضييهم من العسكر, ان المسؤولين وكوادر الإسرائيليين الرياضية والمدربين ,المعالجين والرياضيين يأتون عمليا من مؤسسة أورد وينغايت ,وتحوي تجهيزات هائلة قرب البحر شمال تل أبيب وبحسب ما يوحي اسمها يقوم بالمهمات الإدارية والتنظيمية فيها قدامى ضباط الاستخبارات أو ضباط فرق المغاوير الخاصة وتدرب فيها كل أنواع الرياضات ولكن يجري فيها بشكل خاص إعداد المصارعين وأبطال الرماية.
كان ابو اياد يلتزم الصمت لكننا شعرنا ان الفكرة التي قدمها فخري أثارت اهتمامه وبعد قليل خرج عن صمته:
بما أننا حرمنا حتى من الهدنة الأولمبية فما من سبب لاحترامها ففي مقابل اكبر عدد من الرياضيين والموفدين الإسرائيليين الذين سنتمكن من احتجازهم سوف نفرض إطلاق العدد الملائم من معتقلينا في إسرائيل في الحقيقة هذا المشروع لا يشكو من شيء !
ثم استدار نحوي وقال:ميونخ تقع على طريقك الى بلغاريا من المفيد ان تقوم باستكشاف أولى … طبعا لا تنبس ببنت شفة لأي كان عن هذا الموضوع هل هذا واضح ؟
قلت:لن يكون هذا صعبا علي لكن لابد ان نكلم ابو مازن من اجل المال اللازم للعملية. بالطبع ان احتجاز الرياضيين والموفدين الإسرائيليين لم تنبت فجأة من رؤوسنا فقط لان اللجنة الأولمبية تعاملت معنا كأننا غير موجودين بل أننا كنا ننوي الاستفادة من حضور وسائل الإعلام الدولية طوال فترة المسابقات كي نعطي قضيتنا صدى عالميا عندها سيطلع كل بيت في العالم على المأساة الفلسطينية .
سلكت الطريق الى بلغاريا وذلك في 17 تموز على الاوتوستراد كنت انطلق مسرعا قدر المستطاع, قلت في نفسي لايزال لدي وقت كاف لامضي نصف النهار على الاقل في ميونخ. وصلت المدينة البافارية وبدأت فورا البحث عن خريطة مفصلة للمدينة واستحوذت على الوثائق المتوافرة وحتى تلك التي تخص الاولمبياد مثل لائحة الفنادق ومخطط وسائل النقل في المدينة وكتيبات عن توقيت الرحلات الجوية كما باشرت بالتعرف على شبكة المواصلات المحلية. لم اجد صعوبة في العثور على المجمع الأولمبي شمال المدينة, بدت ورشة ضخمة لم تنته الأعمال فيها وكانت القرية الأولمبية قائمة في جهتها الشمالية وهي التيس كانت تهمني أكثر كانت تبدو مثل مدينة منامة مؤلفة من ابنية تذكر بالأهرامات وايضا من ابنية اصغر وأقل ارتفاعا تتعرج فيها ممرات من الباطون على مستويات مختلفة ,وشلالات صغيرة وألوف الأشجار في تلك الساعة لم تكن القرية سوى خلية عمل ناشطة في طوابق الأبنية وفي الأقبية وحتى في عرض الممرات كان من المستحيل أن أتصور كيف سيبدو المكان حين تبدأ الألعاب وبالأخص كيف سيتم تأمين الحراسة على محيط القرية فانطلقت في تلك الأمسية الى بلغاريا. تقابلت مرة أخرى مع ابو اياد يرافقه فخري العمري في صوفيا وبالطبع تناقشنا في مواضيع كثيرة كالبلاغ الذي سيسلمه الفدائيون الى السلطات الألمانية بعد ان يكونوا قد احتجزوا أكبر عدد ممكن من الإداريين والرياضيين الأسرائيليين واللائحة الدقيقة التي يجب ان تدونها استخباراتنا بما لا يقلل عن مئتي فلسطيني معتقل في إسرائيل والذين سنفرض إطلاق سراحهم وما يلزم من التدريبات الخاصة التي يجب ان يقوم بها رجالنا الذين سيشاركون في العملية. وبعد انتهاء عمله غادر ابو اياد وفخري الطائرة سوية إلا أنني اتفقت مع فخري على موعد في بداية الأسبوع المقبل أكون عندها في ميونخ ليلحق بي هو و رفيق الآخر.
استطلاع أولى لبنية العملية
يوم 7 آب وصل كل من فخري ورفيق آخر يدعى تشي(11) الى ميونخ. كان تشي واسمه يوسف نزال أحد ضباط العاصفة الشبان كانت قاعدته قرب النبطية وكان ممن يقومون بعمليات خلف الحدود مع إسرائيل وقد تدرب على يد أبو علي اياد وكان معه في تلال جرش وعجلون ونجا من الكارثة النهائية وأخيرا كان في عداد القادة الذين رأيتهم في بيروت بعد غارات الطيران الإسرائيلية في شباط 1972 وهم يتوسلون لأبواياد القيام بتنظيم شيء ما في مكان ما ليردوا الصاع صاعين, وهو مدعو لتسلم زمام القيادة العسكرية لفرقة الفدائيين الذين نتوقع إرسالهم الى ميونخ كان هذا الخيار جيدا , بما انه حاذق ومقاتل ممتاز في الوقت نفسه.
أما السلبية الوحيدة فهي ان تشي قصير القامة جدا وهذا عائق أكيد بالنسبة له ولزملائه عندما يضطرون لتسلق السياج الذي يعلو مترين ويحيط بالقرية .
قمت أنا ورفيقاي بزيارة المكان في وقت كانت الأعمال مازالت مستمرة وذهبنا لتفحص الشباك المعدنية عن كثب كنا متأكدين انه بغية الوصول إلى أي مكان داخل القرية لابد من تسلق السياج الحديدي العالي,لم يكن من الصعب تسلق السياج تدخل طرف حذائك في عينيات الشباك وتستند عليها ولكن المشكلة كانت انه بهذه الطريقة وتحت وزن الرجال والحقائب سوف يهتز السياج ويصدر صريرا وهذا غير مرغوب فيه لعملية تتطلب صمتا تاما .
قلت ليوسف: لا أرى سوى حلا واحدا, يجب ان تتدربوا على تسلق رجل بطولي تقريبا مثل أهل السيرك عندما يبنون أهرامات بشرية إذا تعلمتم ذلك يصبح الانتقال الى الجهة المقابلة سهلا بما انه يوجد عشب في الجهة الثانية .
الخطة العسكرية للعملية
شيئا فشيئا بدأت ترتسم معالم خطة العمل: ساعة تسللهم الى القرية الأولمبية يكون كل الفدائيين بثياب الرياضة وحتى إذا انتبه لهم لسوء حظهم الحراس فسيبدون وكأنهم رياضيون قفزوا فوق السور عائدين الى مقرهم وهذا يلغي تلقائيا مسالة ما اذا كان يجب ان يصل الفدائيون تلك الليلة كل من جهته او في مجموعات من اثنين او ثلاثة الى نقطة تجمع قرب السياج :سوف يتقدمون سويا مثل أي بعثة تعود بعد قضائها السهرة في المدينة كما اتفقنا ان عشرة رجال يكفون لاحتلال شقق الرياضيين الإسرائيليين الذين سيفاجئونهم خلال نومهم ,وسيحمل كل رجل بندقية أ.ك.47 وقنبلة يدوية لم نكن نعلم بالضبط عدد الرياضيين الذين سترسلهم إسرائيل إلى الألعاب لكن حسب المعلومات التي حصل عليها فخري كنا نقدر عددهم بخمسة عشر يجب ان نضيف إليهم عددا مماثلا من المدربين والحكام والمسعفين على اختلافهم ,عشرة رجال لمراقبة ثلاثين محتجزا في عملية كنا نتوقع ان تدوم عدة ساعات كان هذا أمرا معقولا .
على أي حال كان تشي يقول لنا أن ليس في إمكاننا أن نفعل أكثر من هذا اذ علينا لن نحتاط بعدد اضافي من الرجال كي نعوض عن بعض تخلفات اللحظة الأخيرة الدائمة الإحتمال أثناء التدريبات أو في حال منع البعض من الدخول بسبب الجوازات المزورة .
في تلك الفترة لم يكن لدينا أكثر من خمسين متطوعا في مخيمنا في لبنان أكثر من ثلثهم مجندا لهذه العملية وقد كانت هناك مهمات أخرى نخطط لها في الأسابيع المقبلة.
وبالنسبة لتاريخ القيام بالعملية فقد قررنا ان ندع عدة أيام تمر بعد افتتاح الألعاب الرسمي في 26/8/1972 قبل ان نتحرك بذلك نستفيد من هذا الوقت لمراقبة الإجراءات الأمنية التي سيتخذها الألمان والتعرف على شقق لإسرائيليين.
في هذه المرحلة لم نكن نستطيع الذهاب إلى أبعد من ذلك في تقديراتنا, قضينا أنا وفخري وتشي الوقت المتبقي في درس كل أنواع الطرقات التي تؤدي الى القرية الأولمبية وفي تحديد فنادق مختلفة في ميونخ نوزع عليها رجالنا اثنين اثنين ومقاه أو مطاعم في المدينة سيمكث فيها كل منا في الساعات التي تسبق العملية وفي تاريخ 12/8 رحل فخري وتشي إلى ليبيا حيث كان يجب أن يوافيهما إلى أحد مخيماتنا فدائيونا الشبان الذين تم اختيارهم في مخيمنا الرئيسي في لبنان من اجل القيام بتدريبات مكثفة .
رسم الأهداف من العملية
من ناحيتي أنا عدت إلى بيروت التي غبت عنها شهر ونصف الشهر وقابلت أبو اياد الذي اخذ مني جواز السفر ويحتوي على التأشيرة الألمانية وذلك لفحصه من قبل خبراؤنا ويضعون نسخا منها على كدسه جوازات أردنية مزورة من اجل الفدائيين المختارين للعملية .
من جهتي عرضت عليه مخطط العملية الذي وضعته أنا وتشي ,كان أبو اياد مهتما بالإجراءات التي يجب اتباعها بغية تبادل المحتجزين بأولئك الذين كنا ننوي تحريرهم في إسرائيل اكثر مما كان يهتم بتفاصيل الشق العملياتي من الهجوم على القرية الأولمبية الذي عهد فيه إلينا. كنا نتصور مسبقا عناد غولدا مائير لذا كنا نفكر في صيغة تراجع في حال رفض إنذارنا النهائي, في الواقع سوف يطالب الفدائيون في البداية ان يتمكنوا من السفر مع محتجزيهم الى وجهة يحددونها في حينه كنا نفكر في مصر لكن ما من شيء يمنعنا من إضافة بلدان أخرى سوف يعتقل هناك الرياضيون الذين نكون أسرناهم بصفتهم مواطنين من بلد عدو ويحررون فقط عند قبول السلطات الإسرائيلية القيام بالمبادلة وفي أسوأ الأحوال, وإذا وجدنا انهم شبه عسكريون كي لا نقول انهم عسكريون بصفة كاملة لن يكون عندها مصيرهم مختلفا عن مصير مقاومينا الفلسطينيين المعتقلين في إسرائيل. | |
|