من هنا وهناك-الحكيم في الجزيرة
بقلم : عدلي صادق
قرينة الحكيم الراحل، د. جورج حبش، هيلدا، وكريمتاه، ميسا ولما، أصدرن بياناً، سجلا فيه اعتراضهن على الشريط الوثائقي، الذي بثته قناة الجزيرة، عن القائد الوطني الراحل. وبدت جميع النقاط التي استندت اليها الأسرة، ذكية ومنطقية. وكان لافتاً قولهن، في خاتمة البيان، ما معناه ان القناة، لم تأخذ رأي الأسرة في العمل الوثائقي المعروض، وأنها أظهرت استعلاءً على أسرة الحكيم، فلم تأخذ رأيها في أية فقرة، ولم تُطلعها على الشريط قبل عرضه، ولم يأت ذكر هذه الأسرة، بما تمثله من بُعد انساني في حياة الرجل، في عمل يُفترض أن يُنصف قائداً احتل مكانة مرموقة في الحركتين القومية العربية والوطنية الفلسطينية، على امتداد نحو نصف القرن. ولم نستغرب هذا السلوك، من قناة التلفزة التي بات بعض السطحيين، من المتزعمين ومن عامة الناس، يبنون استراتيجياتهم وآرائهم على محمولات بثها!
لقد توقفت عند احدى الملاحظات في بيان أسرة الحكيم، وهي التي تتعلق بأحد الذين عرضت الجزيرة شهاداتهم في حيز زمني متفرق، لكنه كبير قياساً على زمن الشريط. فالرجل أعرفه شخصياً وتقابلنا مؤخراً في عمان، ولا أقول فيه شيئاً سوى أنه ـ بموضوعية ـ لم يكن ذا تجربة حميدة، في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. فلو كانت هيلدا، قرينة الحكيم، التي عاشت معه التجربة؛ حاضرة في الشريط، عوضاً عن ذي التجربة اياها، لأضفت عليه ما يداري نواقصه. ولو تفضلت الجزيرة، بتسليط الضوء في دقيقة، على ما حظيْ به الحكيم، يوم تشييعه، في بلاده التي أحب، وفي مخيمات شعبه الذي امتلأ الرجل عشقاً به؛ لكانت تقدمت خطوة نحو انصاف الرجل. أما أن لا يكون هذا وارداً، وأن لا يؤخذ رأي الأسرة في العمل الوثائقي، ثم تتحول ألوف المشيعين، الى بضع مئات من غير الكادحين؛ فان الأمر يغمط الحكيم حقه، رغم أن عائلة الراحل أرسلت تحذر الجزيرة من عرض برنامج لا يفيه حقه، ويختزل سيرته، ويتعمد تجاهل جوانب مهمة ومفصلية من تجربته. لكن الجزيرة لم تكترث برأي الأسرة، وأظهرت عنجهية مفهومة، مستأنسة بما تراه في نفسها، فيما يشبه ما رآه الأقدمون في المتنبي: مالئ الدنيا وشاغل الناس. فكأنما أرادت الجزيرة، فيما عرضته عن الحكيم، استثمار موقف الرجل من مسار عملية التسوية، والافادة من عبارات قيلت في ظروفها، عن الزعيم الشهيد ياسر عرفات. وبالطبع لم تنس أن تعرض البديل في خيارات الحكيم، بصورة مشوهة أيضاً، كأن تسلط الضوء على خطف الطائرات، ثم التراجع عن خطف الطائرات، مع التشدد في المنطق السياسي، والتوافر على خطابات رؤيوية، تعد بتحرير كل فلسطين. ان هذه كلها متطلبات المادة المفضلة للجزيرة، فيما هي تضرب فكرة السياسة، وتتعمد تلوينها بالشحار، لكي يراها البسطاء خيانة وتفريطاً. فان كان مضموناً في حسابات أم جرير، أن فلسطين من النهر الى البحر، أبعد من المستطاع راهناً، يصبح ضرب السياسة الساعية الى فلسطين الممكنة، واجباً لديها. فهذه هي طبيعة اللعبة، وهذا هو المسعى!
ان القناة التي اعتادت منذ سنوات، على أن تبث حلقات أسبوعية، تسترسل لشهرين أو اكثر، من ثرثرات شاهد "ما شافش حاجة" استكثرت على الحكيم حلقتين أو ثلاث، من عمل وثاقي حقيقي، يتناول التجربة من جميع جوانبها، ويأتي بشهود "شافوا". لكن ما عُرض، اقتصر على المطلوب. صحيح ان الجزيرة، أتت على ذكر جورج حبش، بخلاف ما تحتمله شاشات التلفزة التابعة للحكومات العربية؛ لكن الصحيح كذلك، أن هذا العرض، يمثل ضرورة مهنية، لا تتأخر عنها، قناة "العربية" حتى وان كان تشي جيفارا أو كارلوس، هما محور المادة. فما عرضته الجزيرة، عن الحكيم، يقدم مثالاً آخر، عن موال القناة، وهذا ما لاحظته أسرة الرجل الكبير ومحبوه